
أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده تجري اتصالات مع الجزائر ومالي في إطار مساعٍ لتهدئة التوتر بين البلدين، مشيراً إلى استعداد موسكو للمساهمة في “تسوية الخلافات” بين الطرفين. وأوضح لافروف في تصريحات ردا على سؤال طرحته صحافية جزائرية خلال لقاء مع صحافيين في موسكو، ونقلتها وكالة “سبوتنيك إفريقيا” أن روسيا “على تواصل مع الجانبين، وكلاهما مهتم بأن نساهم في تذليل التناقضات، ونحن مستعدون لذلك”، مضيفاً أن “التوترات بين الجزائر ومالي تعود في جزء منها إلى إرث الحقبة الاستعمارية، عندما قامت القوى الاستعمارية بتقسيم القارة بخطوط حدودية مصطنعة فصلت بين المجموعات العرقية”.
وأشار الوزير الروسي إلى أن ما يحدث اليوم “هو انعكاس لتلك الحدود التي رسمها المستعمرون، والتي ما زالت تثير نزاعات من حين إلى آخر”، لافتاً إلى أن “من غير المستبعد أن يسعى من رسم تلك الحدود إلى إذكاء التوترات من جديد”. وردّ لافروف على اتهامات بعض الدول الغربية لروسيا بالتسبب في تأزيم الأوضاع في إفريقيا، قائلاً إن “القوى الاستعمارية السابقة تحاول تحميل روسيا مسؤولية ما يجري في القارة، بينما الحقيقة أن قواتنا لا تقوم بأي عمل ضد المدنيين أو الممتلكات المدنية”.
وأكد أن “الفيلق الإفريقي” العامل في مالي تابع لوزارة الدفاع الروسية، ويعمل هناك “بناءً على طلب السلطات الشرعية في باماكو”، مشدداً على أن الاتهامات الموجهة إلى موسكو “لا أساس لها من الصحة”. وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد العلاقات الجزائرية المالية أسوأ حالاتها وصلت إلى حد رفع مالي شكوى بالجزائر لدى محكمة العدل الدولية. واللافت أن الجزائر في مقاربتها، كانت ترى في روسيا جزءا من المشكلة في السنوات الأخيرة، خاصة بعد قدوم قوات فاغنر إلى مالي وارتكابها عمليات قرب حدودها وهي القوات التي عوّضتها روسيا مؤخرا بما يسمى “الفيلق الروسي”.
ورغم علاقتها القوية مع روسيا، ترفض الجزائر صراحة وجود قوات أجنبية ولو كانت مدعومة من موسكو في مالي، وهو ما عبّرت عنه في اجتماع مجلس الأمن الدولي، شهر أيلول/سبتمبر 2024، حين دعا ممثل الجزائر السفير عمار بن جامع، إلى محاسبة “الجهات التي تسببت في قصف أكثر من 20 مدنيا في منطقة تينزاواتين، جراء ما تقترفه بحق القانون الدولي الإنساني”، مؤكدا ضرورة “وقف انتهاكات الجيوش الخاصة التي تستعين بها بعض الدول”، ومحذرا من مغبة “عدم مساءلة تلك الأطراف بشأن انتهاكاتها وما تتسبب فيه من تهديدات وأخطار على المنطقة”.
وتدهورت العلاقات الجزائرية المالية بشكل كبير في الأشهر الماضية بعد حادثة إسقاط طائرة درون تابعة للجيش المالي دخلت المجال الجوي الجزائري. وسرعان ما أخذت هذه الحادثة أبعادًا سياسية أوسع، بإعلان دول مالي والنيجر وبوركينافاسو المتحالفة فيما بينها، استدعاء سفرائها من الجزائر التي ردّت مباشرة بالمثال.
ويترافق هذا التدهور الدبلوماسي مع سياق إقليمي متأزم بعد انقلابات متتالية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وصعود خطاب سياسي يرفض الوساطات التقليدية ويميل للحلول الأمنية والعسكرية، في وقت ظلت الجزائر تدعو إلى الحوار وإلى مقاربة شاملة تعالج جذور الأزمات.
وقبل ذلك، عرفت العلاقات الجزائرية المالية حالة توتر بسبب خيارات القيادة العسكرية في باماكو عقب الانقلاب في اعتماد الحل العسكري في حل معضلة الأزواد، وهو إقليم مكون من عرب وطوراق شمال مالي ظل يطالب بتكريس خصوصياته الثقافية والعرقية منذ عدة عقود.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي، أعلن المجلس العسكري في مالي، إنهاء العمل بشكل فوري باتفاق الجزائر للسلام الذي يعود لسنة 2015 متهما الجزائر بالقيام بـ”أعمال عدائية” ضده من بينها دعم فصائل معارضة له. وردت الجزائر في ذلك الحين، باستدعاء سفير مالي لديها، ماهامان أمادو مايغا، وإبلاغه عن طريق وزير الخارجية شخصيا أحمد عطاف، بأن كافة المساهمات التاريخية للجزائر كانت تصب في صالح تعزيز السلم والأمن والاستقرار، وفق مبدأ وحدة الأراضي المالية.
